lundi 9 novembre 2015

كيف سيكون وضع مجلس نواب الشعب بعد 9 نوفمبر 2015؟


يعيش الوضع السياسي التونسي عموما والبرلماني خصوصا تداعيات ما أطلق عليه "مجموعة 32" حيث أمضى ليلة الأحد 31 نائبا من حزب نداء عريضة استقالة من كتلة نداء البرلمانية.
واعتبر البعض أن المشهد السياسي تغيّر وأن الحكومة أصبحت في حكم الماضي وأن حزب حركة النهضة أصبح الحزب الأغلبي في البرلمان.
ويبدو أن الآليات الدستورية والبرلمانية التي تضبط المشهد السياسي التونسي لا تزال غير مفهومة لدى العديد. ولذلك وجب توضيح عدد من مسائل.
في البداية لا بد من التذكير بأن القانون البرلماني يتعامل مع مصطلحين: الحزب والكتلة. ويتم التعامل معهما في صور مختلفة وبآليات وأغلبيات متنوعة.
وبالتمعّن في صورة نص الاستقالة التي تداولتها صفحات التواصل الاجتماعي، يبدو جليا أن الاستقالة تمت من كتلة حزب نداء وليس من حزب نداء. ونص الرسالة موجه إلى رئيس مجلس نواب الشعب وليس رئيس الحزب.
فحزب نداء الذي حاز على 86 مقعدا يبقى بنفس العدد من المقاعد وبالتالي يبقى  الحزب المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب حسب مفهوم الفصل 89 من الدستور وهو معطى في بالغ الأهمية.
ولكن كتلة الحزب التي كانت متضمنة لـ 86 نائبا ومرتبة الكتلة الأولى والأكبر، ستصبح بعدد أقل، حوالي 57، بما سيجعلها في المرتبة الثانية بعد كتلة حركة النهضة. وهو معطى لا يقل أهمية.
ما الذي سيتغير سياسيا وتشريعيا بالنظر إلى القانون البرلماني؟
لمعرفة مدى تأثير الاستقالة على الوضع التشريعي والسياسي، لابد من معرفة وضع الأغلبية السياسية والتشريعية قبل الاستقالة وبعدها.
فالقانون البرلماني التونسي يعرف أغلبيات متنوعة ومتعددة الوظائف:
فأغلبية الثلث (أو الأغلبية البسيطة التي لا تقل عن الثلث: 73) تصلح لتقديم عريضة سحب الثقة والموافقة على القوانين العادية....وكانت كتلة حركة نداء الوحيدة التي تمتلك هذا العدد.
أما الأغلبية المطلقة فهي تستوجب 109 صوتا ولم يكن أي حزب يمتلك هذه الأغلبية ويتواصل الأمر حتى بعد الاستقالة. هذه الأغلبية ضرورية للمصادقة على القوانين الاساسية ولسحب الثقة من الحكومة.
وهناك أغلبية معززة (3/5 = 130 صوت) وأغلبية الثلثين (145 صوت) يتم اعتمادها في عدد من الحالات المبينة بالفصل 126 من النظام الداخلي.
فعلى المستوى السياسي التشريعي، تسند الحكومة أغلبية حاكمة متكونة من 4 أحزاب ممثلة في 4 كتل لها 179 نائبا أي أنها متمكنة من كل الأغلبيات المشار اليها سلفا. وبفعل الاستقالة، يبقى السند بنفس عدد الأحزاب وعدد الكتل ولكن بعدد لا يقل عن 148 دون أن يعني هذا عدم اسناد الـ 31 نائبا الحكومة ومشاريعها بما يبقي الوضع تقريبا متشابها قبل الاستقالة وبعدها.
وخلافا لما تم تداوله بأن حزب حركة النهضة هو من سيتولى تعيين رئيس الحكومة، فانه بالرجوع إلى الفصول 89 و97 و98 من الدستور، فانه في صورة سحب الثقة من الحكومة الحالية أو استقالتها، يبقى حزب نداء هو الحزب المؤهل لترشيح رئيس حكومة باعتباره  الحزب المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب لأن العبرة هي بعدد المقاعد المتحصل عليها زمن الانتخابات وليس بعدد المقاعد زمن الاستقالة والترشيح.
المجال الوحيد الذي يمكن أن يتأثر بالوضعية الجديدة لكتلة نداء تونس هو توزيع المقاعد داخل اللجان وتوزيع المسؤوليات في مختلف هياكل المجلس باعتبار أن الكتلة الأولى ستصبح كتلة النهضة بـ 69 نائبا ثم يليها كتلة نداء بـ 57 نائبا الأمر الذي سيترك لها أولوية الاختيار .
أولوية الاختيار لكتلة حركة النهضة لا يعني تحصلها على الأغلبية في اللجان وبقية الهياكل. فباستقالة 31 نائبا من كتلة نداء سينتقل عدد غير المنتمين من 15 إلى 44 بما سيجعلهم، عدديا، ثالث وزن "برلماني".
 الخلاصة: أنه إذا ما اعتبرنا تصريحات عدد من النواب المستقيلين التي تؤكد مواصلة دعم الحكومة فإن المشهد السياسي والتشريعي لن يتأثر مبدئيا ، أو على الأقل فوريا، بهذا الأمر.
بقاء المجموعة المستقيلة من الكتلة صلب الحزب عنصر أساسي يجب أخذه بعين الاعتبار .
وخلافا لما يستند اليه من أن الفصل 34 من النظام الداخلي في فقرته الثانية لا يجيز لنفس الحزب أن يكون له أكثر من كتلة، فإنه من الضروري التذكير بالفقرة الثالثة التي تسمح لكل عضو من أعضاء المجلس الانتماء للكتلة التي يختارها.

ومهما يكن من أمر، من المهم الاشارة وأن التجربة البرلمانية التونسية منذ انتخابات أكتوبر 2011 بصدد إثراء القانون البرلماني التونسي والمقارن بالنظر لما شهدته من بروز عديد المناورات والأعمال التي أبرزت عجز التجارب المقارنة على تقديم حلول جاهزة لتجربتنا. 

Aucun commentaire: