vendredi 15 mai 2020

المراسيم: البناء، الغموض والفراغ


بقانون عدد 19 لسنة 2020، فوّض مجلس نواب الشعب إلى رئيس الحكومة إصدار مراسيم لغرض مجابهة تداعيات انتشار فيروس كورونا (كوفيد-19) وهذا طبقا لأحكام الفقرة الثانية من الفصل 70 من الدستور.
وكان هذا التفويض بعد مداولة الجلسة العامة بتاريخ 4 أفريل 2020 التي لم تختلف في جزء منها عن مداولة مجلس النواب يوم 7 فيفري 2011 لما تمّ التفويض إلى رئيس الجمهورية المؤقت في اتخاذ مراسيم طبقا للفصل 28 من الدستور.
في الحالتين غلب منطق خوف المُفوّض من المُفوّض اليه بالانقلاب عليه وإبعاده من السلطة.
ويكفي الرجوع الى تقرير اللجنة البرلمانية (الرابط) للوقوف على الهلع الذي انتاب النواب من مصطلحات مشروع القانون والمقترحات السريالية التي تم تقديمها للحدّ أو الحيلولة من الانقلاب الممكن.
والغريب أن القانون عدد 19 مرّ مرور الكرام دون أن يثير أي انتباه أو يلفت النظر والمريب أيضا أن تقبل الحكومة بما تم فرضه من أحكام صلب القانون وأن يصدر القانون في صيغة مخالفة تماما لما تم اقتراحه من قبل الحكومة.
الصيغة الأصلية للمشروع الحكومي
الصيغة المصادق عليها

ومن الضروري بيان ما تضمنه القانون عدد 19 لسنة 2020 من نقاط جديدة في العمل البرلماني فيها ما هو إيجابي وفيها ما هو مثير للجدل والتساؤل.
أولا: تاريخ المراسيم في تونس
قبل 9 فيفري 2011، ومن سنة 1960 إلى سنة 2006، صدر 326 مرسوم تم اتخاذها بمناسبة العطلة البرلمانية علما وأن مجلس الأمة (البرلمان سابقا) كان يعقد سنويا دورتين.

في سنة 2011، وبمقتضى التفويض المسند إلى رئيس الجمهورية المؤقت، تم اتخاذ حوالي 121 مرسوم بقيت إلى حدّ الآن في حكم المجهول من حيث مآلها الدستوري بالمصادقة التشريعية وعجز خبراءنا ونوابنا وفقهاءنا وأساتذتنا عن تصوّر الحلّ.
ثانيا: ميدان المراسيم
منذ دستور 1959 في صيغته الأصلية، كانت المراسيم من سلط رئيس الجمهورية يمارسها إما عبر تفويض تشريعي وفي هذه الحالة يتم التفويض لغرض معيّن ولمدة محددة، أو بمناسبة العطلة البرلمانية أو في صورة حلّ البرلمان، وفي هذه الصورة ليس هناك تحديد مجال معين في حين تبقى المدة مرتبطة بالعطلة (من جويلية إلى نهاية سبتمبر) أو بآجال الانتخابات (خلال 30 يوما على الأقصى).
ومايجب ملاحظته هو أن صياغة الفصل 28 من الدستور، إطار التفويض التشريعي، شهد تعديلا سنة 1976 شمل عبارة فقط وهي استبدال "بعد انقضاء المدة.." بـ "عند انقضاء المدة...". ولئن يبدو التعديل غير ذي معنى ولكن يمكن التأويل باتجاه تأكيد أهميته وتبعاته الإجرائية.
دستور 26 جانفي 2014 غيّر جذريا مادّة المراسيم وأفردها بفصل وحيد وهو الفصل 70 حيث يتقاسم الأمر رئيس الجمهورية (في حال حلّ مجلس نواب الشعب وبشرط التوافق معرئيس الحكومة) ورئيس الحكومة بتفويض تشريعي مع استثناء القانون الانتخابي من مجال المراسيم.
المسائل والإشكاليات التي طرحها التفويض إلى رئيس الحكومة الحالي إصدار مراسيم حسب الفقرة 2 من الفصل 70
مسائل استحقت التدقيق
مجال التفويض
ورد الفصل الأول من مشروع القانون عدد 30/2020 في صيغته "الحكومية" محددا لمجال التفويض في حدود 14 نقطة من جملة 27 نقطة وردت في الفصل 65 من الدستور من دون اعتبار القانون الانتخابي.
وتدقيق "الغرض المعيّن" من قبل مجلس نواب الشعب، بقطع النظر عن وجاهة مضمون النص المصادق عليه من عدمه، يعتبر عملا يحسب للمجلس لكونه مسألة مهمة وخطيرة تستوجب "سابقة تشريعية" تؤسس لقانون برلماني يسهم في تدقيق المصطلحات الدستورية.
مدة التفويض وآجال عرض المراسيم على مصادقة المجلس
في نفس السياق، يحسب لهذا المجلس تدقيق الصياغة الدستورية للحيلولة وبقاء الأمر كما تم سنة 2011 وذلك من خلال ضبط أجل محدّد لعرض المراسيم على المصادقة بما يدقّق مصطلح "حال انقضاء المدة" ولئن تم في القانون عدد 19 لسنة 2020 ضبطها بأجل عشرة أيام من انقضاء المدة المحددة فإنه يمكن مستقبلا التقليص في المدة أو عكس ذلك، ولكن يبقى مهما تحديد أجل العرض بدقة.
ولكن أهم ما قام به المجلس في هذا المجال هو تحديد جهة العرض و حلحلة الإشكال في صورة عدم العرض في الآجال بأن بينت الفقرة الثانية من الفصل 2 أنه "في صورة عدم عرض هذه المراسيم من قبل الحكومة في الآجال المنصوص عليها بالفقرة الأولى من هذا الفصل، يتعهد المجلس بذلك تلقائيا.".
وأعتقد بأن ما أتاه المجلس في هذا الباب يعتبر سابقة قانونية برلمانية ستحسب لهذا المجلس في مجال إسهام القانون البرلماني المتطور في إثراء القانون الدستوري الجامد.
مسائل تستحق التدقيق
وردت الفقرة الثالثة والأخيرة من الفصل الثاني مبينة أنه "تتم المصادقة على كل مرسوم على حدة" وهذا أمر بديهي لأنه لا يوجد عاقل يتصوّر أن تتم المصادقة على المراسيم المتخذة زمرة واحدة.
فهل وردت الفقرة تزيّدا؟ لا أعتقد.
 لأن هذه الفقرة الأخيرة هيأت للفصل الثالث الذي اقتضى أن "تخضع المراسيم الصادرة بموجب هذا القانون والمعروضة على مجلس نواب الشعب لنفس إجراءات النظر في المبادرات التشريعية".
ما معنى "نفس إجراءات النظر في المبادرات التشريعية"؟
يعنى أنه سيتم إحالة المراسيم إلى المكتب الذي سيحيلها إلى اللجان التشريعية والتي ستدرسه وتناقشه بالتحليل والاستماع وبالتعديل حذفا وإضافة وتغييرا لجميع فصوله وحتى عنوانه ثم إحالته إلى الجلسة العامة في شكل قانون عادي أو أساسي حسب ما سيتم تكييفه من مجال تدخل المرسوم المعني لمناقشته وتعديله بالإلغاء أو الإضافة أو التغيير الشكلي أو الجوهري والمصادقة عليه بالأغلبية المطلوبة حسب الفصل 126 من النظام الداخلي أو رفضه أو إعادته إلى اللجنة.
وإن كان المعنى من الفقرة الأخيرة من الفصل 2 ومن أحكام الفصل 3 من القانون 19/2020 يصب في اتجاه ما سبق بيانه، فهذا يمثّل سابقة غير معتادة في القانون البرلماني والقانون الدستوري التونسيين حيث أن إجراءات المصادقة على المراسيم تتم وفق إجراءات الموافقة على المعاهدات حيث ترد صلب مشاريع قوانين ذات فصل وحيد يتضمن المصادقة على المرسوم أو رفضه. ولئن يمكن صلب اللجان والجلسة العامة مناقشتها بصورة شمولية فإن عملية التصويت والمصادقة تنصب على فصل وحيد من مشروع القانون.
فإن كان إخضاع المراسيم إلى إجراءات المبادرات التشريعية سيتجه بنا إلى توجّه مناقشتها كمشاريع قوانين متعددة الفصول، فإن هذا يمثّل خطرا وسابقة برلمانية قد تؤسس لإطار قانوني يسهم في عدم تأمين الوضعيات القانونية المثبتة بنصوص تشريعية.
ومن الضروري أن يتولى مكتب المجلس، وقبل حلول الآجال المحددة (أي 12 جوان 2020)، ضبط إجراءات المصادقة على المراسيم بصورة واضحة ودقيقة.
مسائل بقيت دون حلّ: الطعن في المراسيم
اعتبر أستاذ القانون الدستوري الذي تم استشارته من قبل اللجنة، أن المراسيم تخضع لمراقبة المحكمة الإدارية لكونها تدخل في حكم "المقرر الإداري" (هكذا !!!) ويبدو أن رأيه استند زمنيا إلى فقه عهد الجمهورية الثالثة الفرنسية او أنه ربما لم يقدر على استيعاب ضرورة التمييز بين المراسيم وما يسمى في فرنسا بـ Les Ordonnances لأنه لا يمكن القول بمقرر إداري بخصوص نص لا يمكن نفي الجانب التشريعي فيه.
ولئن لم تنحى اللجنة رأي من استشارته فإنها اقترحت أن يتم التمكين من الطعن في المراسيم أمام الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين وهو مقترح جنوني لكونه غير مستحضر للأحكام الدستورية الواردة ضمن النقطة 7 من الفصل 148 والحمد لله أن رجع الرشد إلى الجلسة العامة وحذفت الفصل.
ومهما يكن من أمر، يتضح اليوم أن الطعن في المراسيم يمثل ثغرة قانونية خصوصا وأن المحكمة الدستورية غير مؤهلة أيضا للنظر في دستوريتها.
بعد مرور 10 سنوات على المصادقة عليه، يصبح مشروعا أن يتم الشروع في مراجعة دستور 26 جانفي 2014 لمعالجة عديد الإشكاليات.

Aucun commentaire: